كنت عائداً بسيارتي من أمريكا إلى كندا حيث إقامتي، وعلى الحدود أعطيت جواز سفري الكندي إلى الموظفة ففتحته وقرأت مكان الولادة العراق ،
فقالت : كيف العراق ؟
فقلت : بخير، ونرجو الله أن يبقى بخير.
قالت : منذ متى وأنت تعيش في كندا؟
قلت : أنهيت لتوي السنة العاشرة
قالت : متى زرت العراق آخر مرة ؟
قلت : منذ ثلاثة أعوام
فنظرت إلي وهي تبتسم وسألتني : من تحب أكثر العراق أم كندا ؟
فقلت لها : الفرق عندي بين العراق وكندا كالفرق بين الأم والزوجة ،
فالزوجة أختارها ، أرغب بجمالها ، أحبها ، أعشقها ،
لكن لا يمكن أن تنسيني أمي .
الأم لا أختارها ولكني أجد نفسي ملكها ، لا أرتاح الا في أحضانها ، ولا أبكي إلا على صدرها ، وأرجو الله ألا أموت إلا على ترابٍ تحت قدميها .
فأغلقت جواز السفر ونظرت إلي باستغراب وقالت : نسمعُ عن ضيق العيش فيها فلماذا تحب العراق ؟
قلت : تقصدين أمي ؟
فابتسمت وقالت : لتكن أمك .
فقلت : قد لا تملك أمي ثمن الدواء ولا أجرة الطبيب ، لكن حنان أحضانها وهي تضمني ولهفة قلبها حين أكون بين يديها تشفيني .
قالت : صف لي بلدك .
فقلت : هي ليست بالشقراء الجميلة ، لكنك ترتاحين اذا رأيت وجهها ، ليست بذات العيون الزرقاء ، لكنك تشعرين بالطمأنينة اذا نظرت اليها ، ثيابها بسيطة ، لكنها تحمل في ثناياها الطيبة والرحمة ، لا تتزين بالذهب والفضة ، لكن في عنقها عقداً من سنابل القمح تطعم به كل جائع ، سرقها اللصوص ولكنها ما زالت تبتسم ..!!
أعادت إلي جواز السفر وقالت : أرى العراق على التلفاز ولكني لا أرى ما وصفت لي ..!!
فقلت لها : أنت رأيت العراق اللذي على الخريطة ، أما أنا فأتحدث عن العراق الذي يقع في أحشاء قلبي .
قالت : أرجو أن يكون وفاؤك لكندا مثل وفائك للعراق ، أقصد وفاؤك لزوجتك مثل وفائك لوالدتك .
فقلت لها : بيني وبين كندا وفاءٌ وعهد ، ولست بالذي لا يفي عهده ، وحبذا لو علمتِ أن هذا الوفاء هو ما علمتني إياه أمي .